فصل: ومن باب ميراث ابن الملاعنة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب ما جاء في الصلب:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة حدثنا علي بن مُسهر عن الأعمش، عَن أبي قيس الأودي عن هزيل بن شُرَحبيل الأودي قال: «جاء رجل إلى أبي موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة فسألهما عن ابنة وابنة ابن وأخت لأب وأم فقالا لابنته النصف وللأخت من الأب والأم النصف ولم يورثا ابنة الابن شيئًا وأت ابن مسعود فإنه سيتابعنا فأتاه الرجل فسأله وأخبره بقولهما، فقال لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، ولكني أقضي فيها بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم لابنته النصف ولابنة الابن سهم تكملة الثلثين وما بقي فللأخت من الأب والأم».
قال الشيخ: في هذا بيان أن الأخوات مع البنات عصبة وهو قول جماعة الصحابة والتابعين وعامة فقهاء الأمصار إلاّ ابن عباس رضي الله عنه فإنه قد خالف عامة الصحابة في ذلك وكان يقول في رجل مات وترك ابنة وأختًا لأبيه وأمه إن النصف للابنة وليس للأخت شيء، وقيل له إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى بخلاف ذلك جعل للأخت النصف وللابنة النصف فقال أهم اعلم أم الله، يريد قوله سبحانه: {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك} [النساء: 176] فإنما جعل للأخت الميراث بشرط عدم الولد.
وروي عنه أنه كان يقول وددت أني وهؤلاء الذين يخالفونني في الفريضة نجتمع فنضع أيدينا على الركن ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين.
قلت: وجه ما ذهب إليه الصحابة من الكتاب مع بيان السنة التي رواها عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، أن الولد المذكور في الآية إنما هو الذكور من الأولاد دون الإناث وهو الذي يسبق إلى الأوهام ويقع في المعارف عندما يقرع السمع فقيل ولد فلان وإن كان الإناث أيضًا أولادًا في الحقيقة كالذكور.
ويدل على ذلك قول الله سبحانه حكاية عن بعض الكفار: {لأوتين مالًا وولدًا} [مريم: 77] وقوله تعالى: {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم} [الممتحنة: 3] وقوله: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} [التغابن: 15] فكان معلومًا أن المراد بالولد في هذه الآي كلها الذكور دون الإناث إذ كان مشهورًا من مذاهب القوم أنهم لا يتكثرون بالبنات ولا يرون فيهن موضع نفع وعز، بل كان مذاهبهم وأدهن ودفنهن أحياء والتعفية لآثارهن.
وجرى التخصيص في هذا الاسم كما جرى ذلك في اسم المال كما أطلق في الكلام فإنما يختص عرفًا بالإبل دون سائر أنواع المال ومشهور في كلامهم أن يقال غدا مال فلان وراح يريدون سارحة الإبل والمواشي دون ما سواها من أصناف المال.
وإذا ثبت أن المراد بالولد المذكور في قوله سبحانه: {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك} [النساء: 176] الذكور من الأولاد دون الإناث لم يمنع الأخوات الميراث مع البنات.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا بشر بن الفضل حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جئنا امرأة من الأنصار في الأسواف فجاءت المرأة بابنتين لها فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا ثابت بن قيس قتل معك يوم أحد وقد استفاء عمهما مالهما وميراثهما كله فلم يدع لهما مالًا إلاّ أخذه فما ترى يا رسول الله فوالله لا تنكحان أبدًا إلاّ ولهما مال، قال فنزلت سورة النساء: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11] الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعوا لي المرأة وصاحبها، فقال لعمهما أعطهما الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فلك».
قال الشيخ: قوله: «استفاء ما لهما» معناه استرد واسترجع حقهما من الميراث فافتات به عليهما وأصله من الفيء وهو الرجوع، ومنه الفيء الذي يؤخذ من أموال الكفار إنما هو مال رده الله إلى المسلمين كان في أيدي الكفار.
وقولها وهاتان ابنتا ثابت بن قيس قد قتل معك يوم أحد غلط من بعض الرواة وإنما هي امرأة سعد بن الربيع وابنتاه قتل سعد بأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي ثابت بن قيس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شهد اليمامة في عهد أبي بكر الصديق.
وكذلك رواه عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن ابن عقيل عن جابر.
حدثناه أحمد بن سليمان البخاري حدثنا هلال بن العلاء بن هلال حدثنا أبي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن ابن عقيل عن جابر، قال: «جاءت امرأة سعد بن الربيع مع ابنتي سعد فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قد قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدًا وقد أخذ عمهما كل شيء ترك أبوهما» وذكر الحديث.

.ومن باب ميراث العصبة:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح ومخلد بن خالد وهذا حديث مخلد وهو أشبع، قال: حَدَّثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقسم المال بين أهل الفرائض على كتاب الله عز وجل فما تركت الفرائض فلأولى ذكر».
قلت: معنى أولى هاهنا أقرب والولي القرب يريد أقرب العصبة إلى الميت كالأخ والعم فإن الأخ أقرب من العم، وكالعم وابن العم فالعم أقرب من ابن العم، وعلى هذا المعنى ولو كان قوله أولى بمعنى أحق لبقي الكلام مبهمًا لا يستفاد منه بيان الحكم إذ كان لا يدرى من الأحق ممن ليس بأحق فعلم أن معناه أقرب النسب على ما فسرناه والله أعلم.

.ومن باب ميراث ذوي الأرحام:

قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب في آخرين قالوا حدثنا حماد عن بديل، يَعني ابن ميسرة عن علي بن أبي طلحة عن راشد بن سعد، عَن أبي عامر الهَوزني عن المقدام الكندي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك دينًا أو ضيعة فإليَّ ومن ترك مالًا فلورثته وأنا مولى من لا مولى له أرث ماله وأفك عانه، والخال مولى من لا مولى له يرث ماله ويفك عانه».
قال: وحدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن بديل بإسناده نحوه، وقال والخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه.
قال أبو داود: حدثنا عبد السلام بن عتيق الدمشقي حدثنا محمد بن المبارك حدثنا إسماعيل بن عياش عن يزيد بن حجر عن صالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخال وارث من لا وارث له يفك عُنِيَّه ويرث ماله».
قال الشيخ: قوله: «يفك عانه» يريد عانيه فحذف الياء والعاني الأسير.
وكذلك قوله: «يفك عنيه» إنما هو مصدر عنا الرجل يعنو عنوًا وعنيًا، وفيه لغة أخرى عنى، يَعني.
ومعنى الأسار هاهنا هو ما تتعلق به ذمته ويلزمه بسبب الجنايات التي سبيلها أن تتحملها العاقلة.
وبيان ذلك قوله في الحديث من رواية شعبة عن بديل بن ميسرة «يعقل عنه ويرث ماله».
والحديث حجة لمن ذهب إلى توريث ذوي الأرحام، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل، وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما.
وكان مالك والأوزاعي والشافعي لا يورثون ذوي الأرحام وهو قول زيد بن ثابت وتأول هؤلاء حديث المقدام على أنه طعمة أطعمها الخال عند عمد الوارث لا على أن يكون للخال ميراث راتب، ولكنه لما جعله يخلف الميت فيما يصير إليه من المال سماه وارثًا على سبيل المجاز كما قيل الصبر حيلة من لا حيلة له والجوع طعام من لا طعام له وما أشبه ذلك من الكلام.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يدفع مال رجل لم يدع ولاء حميمًا إلى رجل من أهل قريته.
وروي «أن رجلًا جاءه فقال عندي ميراث رجل من الأزد ولست أجد أزديًا أدفعه إليه، فقال له انطلق فانظر أول خزاعي تلقاه فادفعه إليه أو قال ادفعه إلى كُبْر خزاعة».
وروي «أن رجلًا جاءه وقال توفي ابن ابني قال لك السدس، فلما ولى دعاه وقال له خذ سدسًا آخر وهو طعمة لك».
وروي «أن رجلًا مات ولم يدع وارثًا إلاّ غلامًا له كان أعتقه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ميراثه له».
وقد روى أبو داود هذه الأخبار كلها على وجوهها في هذا الباب وقالوا ومعلوم أن الخال لا يعقل ابن أخته فكذلك لا يكون وارثًا له فلو صح أحدهما لصح الآخر، وقال بعضهم إنما جاء ذلك خاصًا في خال يكون عصبة فيكون عاقلة كما يكون وارثًا والله أعلم.

.ومن باب ميراث ابن الملاعنة:

قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا محمد بن حرب عن عمرو بن رؤبة التغلبي عن عبد الواحد بن عبد الله النصري عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المرأة تحرز ثلث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عنه».
قال الشيخ: أما اللقيط فإنه في قول عامة الفقهاء حر وإذا كان حرًا فلا ولاء عليه لأحد والميراث إنما يستحق بنسب أو ولاء وليس بين اللقيط وملتقطه واحد منهما، وكان إسحاق بن راهويه يقول ولا اللقيط لملتقطه ويحتج بحديث واثلة وهذا الحديث غير ثابت عند أهل النقل وإذا لم يثبت الحديث لم يلزم القول به وكان ما ذهب إليه عامة العلماء أولى.
وقال بعضهم لا يخلو اللقيط من أن يكون حرًا فلا ولاء عليه أو يكون ابن أمة قوم فليس لملتقطه أن يسترقه.
قال أبو داود: حدثنا محمود بن خالد وموسى بن عامر قالا: حَدَّثنا الوليد حدثنا ابن جابر حدثنا مكحول قال: «جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها».
قال الشيخ: جعل ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها ظاهره أن جميع ماله لأمه في حياتها ولورثتها إن كانت أمه قد ماتت، وإلى هذا ذهب مكحول والشعبي وهو قول سفيان الثوري.
وقال أحمد بن حنبل ترثه أمه وعصبة أمه، وقد روي عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما قالا الأم عصبة من لا عصبة له.
وقال مالك والشافعي إن كانت أمه مولاة كان ما فضل عن سهمها لمواليها وإن كانت عربية فإن ما بقي لبيت المال وهو قول الزهري.
وقال أبو حنيفة وأصحابه ميراث ابن الملاعنة كميراث غيره فمن يموت ولا عصبة له فإن ترك أصحاب فرائض أعطوا فرضهم ويرد ما فضل عليهم على قدر سهامهم فإن يترك وارثًا ذا سهم وترك قرابات ليسوا بأصحاب فرائض فإنهم يرثون كما يرث ذوو الأرحام في غير باب ابن الملاعنة ولا يكون عصبة أمه عصبة له.

.ومن باب هل يرث المسلم الكافر:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر».
قال الشيخ: عموم هذا الحديث يوجب منع التوارث بين كل مسلم وكافر سواء كان الكافر على دين يقر عليه أو كان مرتدًا يجب قتله. ومن لم يورث كافرًا من مسلم لزمه أن لا يورث مسلمًا من كافر.
وقد اختلف الناس في هذا فقال إسحاق بن راهويه يرث المسلم الكافر ولا يرثه الكافر، وروي ذلك عن معاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان.
وقد حكي ذلك أيضًا عن إبراهيم النخعي وقالوا نرثهم ولا يرثوننا كما ننكح نساءهم ولا ينكحون نساءنا، وقال عامة أهل العلم بخلاف ذلك.
واختلفوا في ميراث المرتد فقال مالك بن أنس وابن أبى ليلى والشافعي ميراث المرتد فيء ولا يرثه أهله وكذلك قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن.
وقال سفيان الثوري ماله التليد لورثته المسلمين وما اكتسبه وأصابه في ردته فهو فيء للمسلمين وهو قول أبي حنيفة.
وقال الأوزاعي وإسحاق بن راهويه ماله كله لورثته المسلمين، وقد روي ذلك عن علي كرم الله وجهه وعبد الله وهو قول الحسن البصري والشعبي وعمر بن عبد العزيز.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتوارث أهل ملتين شتى».
قال الشيخ: عموم هذا الكلام يوجب أن لا يرث اليهودي النصراني ولا المجوسي اليهودي، وكذلك قال الزهري وابن أبي ليلى وأحمد بن حنبل.
وقال أكثر أهل العلم الكفر كله ملة واحدة يرث بعضهم بعضًا، واحتجوا بقول الله سبحانه: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} [الأنفال: 73] وقد علق الشافعي القول في ذلك وغالب مذهبه أن ذلك كله سواء.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد، «قال قلت يا رسول الله أين تنزل غدًا في حجته قال وهل ترك لنا عقيل منزلًا».
قال الشيخ: موضع استدلال أبي داود من هذا الحديث في أن المسلم لا يرث من الكافر أن عقيلًا لم يكن أسلم يوم وفاة علي بن أبي طالب فورثه وكان علي وجعفر رضي الله عنهما مسلمين فلم يرثاه، ولما ملك عقيل رباع عبد المطلب باعها فذلك معنى قوله: «وهل ترك عقيل منزلا».

.ومن باب من أسلم على ميراث:

قال أبو داود: حدثنا حجاج بن أبي يعقوب حدثنا موسى بن داود حدثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار، عَن أبي الشعثاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الإسلام فإنه على قسم الإسلام».
قال الشيخ: فيه أن أحكام الأموال والأنساب والأنكحة التي كانت في الجاهلية ماضية على ما وقع الحكم منهم فيها أيام الجاهلية لا يرد منها شيء في الإسلام وإن ما حدث من هذه الأحكام في الإسلام فإنه يستأنف فيه حكم الإسلام.